كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أصحاب الجواب الأول: الظن هاهنا بمعنى العلم.
قوله تعالى: {وقال للذي ظن أنه ناجٍ منهما} يعني الساقي.
وفي هذا الظن قولان:
أحدهما: أنه بمعنى العلم، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الظن الذي يخالف اليقين، قاله قتادة.
قوله تعالى: {اذكرني عند ربك} أي: عند صاحبك، وهو الملك، وقل له: إِن في السجن غلامًا حُبس ظلمًا.
واسم الملك: الوليد بن الريّان.
قوله تعالى: {فأنساه الشيطان ذكر ربه} فيه قولان:
أحدهما: فأنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف لربه، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال ابن إِسحاق.
والثاني: فأنسى الشيطان يوسف ذكر ربه، وأمره بذكر الملك ابتغاءَ الفرج من عنده، قاله مجاهد، ومقاتل، والزجاج، وهذا نسيان عمد، لا نسيان سهو، وعكسه القول الذي قبله.
قوله تعالى: {فلبث في السجن بضع سنين} أي: غير ماكان قد لبث قبل ذلك.
عقوبة له على تعلُّقه بمخلوق.
وفي البضع تسعة أقوال:
أحدها: ما بين السبع والتسع، روى ابن عباس أن أبا بكر لما ناحب قريشًا عند نزول: {آلم غلبت الروم} [الروم: 1، 2]، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا احتطت، فإن البضع ما بين السبع إِلى التسع» والثاني: اثنتا عشرة سنة، قاله الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: سبع سنين، قاله عكرمة.
والرابع: أنه ما بين الخمس إِلى السبع، قاله الحسن.
والخامس: أنه ما بين الأربع إِلى التسع، قاله مجاهد.
والسادس: ما بين الثلاث إِلى التسع، قاله الأصمعي، والزجاج.
والسابع: أن البضع يكون بين الثلاث والتسع العشر، قاله قتادة.
والثامن: أنه ما دون العشرة، قاله الفراء، وقال الأخفش: البضع: من واحد إِلى عشرة.
والتاسع: أنه مالم يبلغ العقد ولا نصفه، قاله أبو عبيدة: قال ابن قتيبة: يعني ما بين الواحد إِلى الأربعة.
وروى الأثرم عن أبي عبيدة: البضع: ما بين ثلاث وخمس.
وفي جملة ما لبث في السجن ثلاثة أقوال:
أحدها: اثنتا عشرة سنة، قاله ابن عباس.
والثاني: أربع عشرة، قاله الضحاك.
والثالث: سبع سنين، قاله قتادة.
قال مالك بن دينار: لما قال يوسف للساقي {اذكرني عند ربك} قيل له: يا يوسف، أتخذت من دوني وكيلًا؟ لأطيلنَّ حبسك، فبكى، وقال: يارب، أنسى قلبي كَثرةُ البلوى، فقلت كلمة، فويل لإِخوتي.
قوله تعالى: {وقال الملك} يعني ملك مصر الأكبر: {إِني أرى} يعني في المنام، ولم يقل: رأيت، وهذا جائز في اللغة أن يقول القائل: أرى، بمعنى رأيت.
قال وهب بن منبه: لما انقضت المدة التي وقّتها الله تعالى ليوسف في حبسه، دخل عليه جبريل إِلى السجن، فبشَّره بالخروج وملكِ مصر ولقاءِ أبيه، فلما أمسى الملك من ليلتئذ، رأى سبع بقرات سمان خرجن من البحر، في آثارهن سبع عجاف، فأقبلت العجاف على السمان، فأخذن بأذنابهن فأكلنهن إِلى القرنين، ولم يزد في العجاف شيء، ورأى سبع سنبلات خضر وقد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهن حتى أتين عليهن، ولم يزدد في اليابسات شيء، فدعا أشراف قومه فقصها عليهم، فقالوا: {أضغاث أحلام}.
قال الزجاج: والعجاف التي قد بلغت في الهزال الغاية.
والملأ: الذين يُرجع إِليهم في الأمور ويقتدى برأيهم، واللام في قوله: {للرؤيا} دخلت على المفعول للتبيين، المعنى: إِن كنتم تعبرون.
ثم بيّن باللام فقال: {للرؤيا} ومعنى عبرتُ الرؤيا وعبَّرتها: أخبرت بآخر ما يؤول إِليه أمرها، واشتقاقه من عبر النهر، وهو شاطئ النهر، فتأويل عبرت النهر: بلغت إِلى عِبْره، أي: إِلى شطه وهو آخر عرضه.
وذكر ابن الأنباري في اللام قولين:
أحدهما: أنها للتوكيد.
والثاني: أنها أفادت معنى إِلى والمعنى: إِن كنتم توجّهون العبارة إِلى الرؤيا.
قوله تعالى: {قالوا أضغاث أحلام} قال أبو عبيدة: واحدها ضِغث، مكسورة، وهي ما لا تأويل له من الرؤيا تراه جماعات، تُجمع من الرؤيا كما يُجمع الحشيش، فيقال: ضغث، أي: ملء كف منه.
وقال الكسائي: الأضغاث: الرؤيا المختلطة.
وقال ابن قتيبة: {أضغاث أحلام} أي: أخلاط مثل أضغاث النبات يجمعها الرجل، فيكون فيها ضروب مختلفة.
وقال الزجاج: الضغث في اللغة: الحزمة والباقة من الشيء، كالبقل وما أشبهه، فقالوا له: رؤياك أخلاط أضغاث، أي: حزم أخلاط، ليست برؤيا بيِّنه،: {وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} أي: ليس للرؤيا المخلتطة عندنا تأويل.
وقال غيره: وما نحن بتأويل الأحلام الذي هذا وصفها بعالمين.
والأحلام: جمع حُلُم، وهو ما يراه الإِنسان في نومه مما يصح ومما يبطل.
قوله تعالي: {وقال الذي نجا منهما} يعني الذي تخلص من القتل من الفتيين، وهو الساقي،: {وادَّكر} اي: تذكر شأن يوسف وما وصَّاه به.
قال الزجاج: وأصل ادَّكر: اذتكر، ولكن التاء ابدلت منها الدال، وأدغمت الذال في الدال.
وقرأ الحسن: {واذَّكر} بالذال المشددة.
وقوله: {بعد أمة} أي: بعد حين، وهو الزمان الذي لبثه يوسف بعده في السجن، وقد سبق بيانه.
وقرأ ابن عابس، والحسن {بعد أَمَةً} أراد: بعد نسيان.
فإن قيل: هذا يدل على أن الناسي في قوله: {فأنساه الشيطان ذكر ربه} هو الساقي، ولا شك أن من قال: إِن الناسي يوسف يقول: لم ينس الساقي.
فالجواب: أن من قال: إِن يوسف نسي، يقول: معنى قوله: {وادَّكر} ذكر، كما تقول العرب: احتلب بمعنى حلب، واغتدى بمعنى غدا، فلا يدل إِذًا على نسيان سبقه.
وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: إِنما لم يذكر الساقي خبر يوسف للملك حتى احتاج الملك إِلى تأويل رؤياه، خوفًا من أن يكون ذكره ليوسف سببًا لذكره الذنب الذي من أجله حبس، ذكر هذا الجواب ابن الأنباري.
قوله تعالى: {أنا أنبئكم بتأويله} أي: من جهة يوسف: {فأرسلون} أثبت الياء فيها وفي: {ولا تقربون} [يوسف: 60]: {أن تفنِّدون} [يوسف: 94] يعقوب في الحالين، فخاطب الملك وحده بخطاب الجميع، تعظيمًا، وقيل: خاطبه وخاطب أتباعه.
وفي الكلام اختصار، المعنى: فأرسلوه فأتى يوسف فقال: يا يوسف يا أيها الصدّيق.
والصدّيق: الكثير الصدق، كما يقال: فسّيق، وسكّير، وقد سبق بيانه [النساء: 69].
قوله تعالى: {لعلّي أرجع إِلى الناس} يعني الملك وأصحابه والعلماء الذين جمعهم لتعبير رؤياه.
وفي قوله: {لعلهم يعلمون} قولان:
أحدهما: يعلمون تأويل رؤيا الملك.
والثاني: يعلمون بمكانك فيكون سبب خلاصك.
وذكر ابن الأنباري في تكرير {لعلِّي} قولين: أحدهما: أن لعل الأولى متعلقة بالإِفتاء.
والثانية مبنية على الرجوع، وكلتاهما بمعنى كي.
والثاني: أن الأولى بمعنى عسى والثانية بمعنى كي فأعيدت لاختلاف المعنيين، وهذا هو الجواب عن قوله: {لعلهم يعرفونها إِذا انقلبوا إِلى أهلهم لعلهم يرجعون} [يوسف: 63] قال المفسرون: كان سيِّده العزيز قد مات، واشتغلت عنه امرأته.
وقال بعضهم: لم يكن العزيز قد مات، فقال يوسف للساقي: قل للملك: هذه سبع سنين مُخصِبات، ومن بعدهن سبع سنين شداد، إِلا أن يُحتال لهن، فانطلق الرسول إِلى الملك فأخبره، فقال له الملك: ارجع إِليه فقل له: كيف يُصنع؟ فقال: {تزرعون سبع سنين دَأَبًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم {دأْبًا} ساكنة الهمزة، إِلا أن أبا عمرو كان إِذا أدرج القراءة لم يهمزها.
وروى حفص عن عاصم {دأَبًا} بفتح الهمزة.
قال أبو علي: الأكثر في دأب الإِسكان، ولعل الفتح لغة، ومعنى: {دأَبًا} أي: زراعة متوالية على عادتكم، والمعنى: تزرعون دائبين.
فناب دأب عن دائبين.
وقال الزجاج: المعنى: تدأبون دأبًا، ودل على تدأبون تزرعون والدأب: الملازمة للشيء والعادة.
فإن قيل: كيف حكم بعلم الغيب، فقال: {تزرعون} ولم يقل: إِن شاء الله؟ فعنه أربعة أجوبة:
أحدها: أنه كان بوحي من الله عز وجل.
والثاني: أنه بنى على علم ما علّمه الله من التأويل الحق، فلم يشك.
والثالث: أنه أضمر إِن شاء الله كما أضمر إِخوته في قولهم: {ونمير أهلنا ونحفظ أخانا} [يوسف: 65]، فاضمروا الاستثناء في نياتهم، لأنهم على غير ثقة مما وعدوا، ذكره ابن الأنباري.
والرابع: أنه كالآمر لهم، فكأنه قال: ازرعوا.
قوله تعالى: {فذروه في سنبله} فإنه أبقى له، وأبعد من الفساد.
والشِّداد: المجدبات التي تشتد على الناس.
{يأكلن} أي: يُذهبن ما قدمتم لهن في السنين المخصبات، فوصف السنين بالأكل، وإِنما يؤكل فيها، كما يقال: ليل نائم.
قوله تعالى: {إِلا قليلًا مما تحصنون} أي: تحرزون وتدَّخرون.
قوله تعالى: {ثم يأتي من بعد ذلك عام} إِن قيل: لِمَ أشار إِلى السنين وهي مؤنثة بذلك؟
فعنه جوابان ذكرهما ابن القاسم:
أحدهما: أن السبع مؤنثه، ولا علامة للتأنيث في لفظها، فأشبهت المذكّر، كقوله: {السماءُ منفطرٌ به} [المزمل: 18] فذكّر منفطرًا لمّا لم يكن في السماء علم التأنيث، قال الشاعر:
فلا مُزْنةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ** وَلاَ أَرْضٌ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا

فذكرّ أبقل لِما وصفنا.
والثاني: أن ذلك إِشارة إِلى الجدب، وهذا قول مقاتل، والأول قول الكلبي.
قال قتادة: زاده الله علم عام لم يسألوه عنه.
قوله تعالى: {فيه يغاث الناس} فيه قولان:
أحدهما: يصيبهم الغيث، قاله ابن عباس.
والثاني: يغاثون بالخصب.
ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {وفيه يعصرون} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: {يعصرون} بالياء.
وقرأ حمزة، والكسائي بالتاء، فوجَّها الخطاب إِلى المستفتين.
وفي قوله: {يعصرون} خمسة أقوال:
أحدها: يعصرون العنب والزيت والثمرات، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والجمهور.
والثاني: {يعصرون} بمعنى يحتلبون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
وروى ابن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد قال: تفسير {يعصرون} يحتلبون الألبان لِسَعَةِ خيرهم واتِّساع خصبهم، واحتج بقول الشاعر:
فما عِصْمةُ الأعْرَابِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُم ** طَعَامٌ وَلاَ دَرٌّ مِنَ المَالِ يُعْصَرُ

أي: يُحلب.
والثالث: ينجون، وهو من العَصَر، والعَصَر: النجاء، والعُصْرة: المنجاة.
ويقال: فلان في عُصْرة: إِذا كان في حصن لا يُقدَر عليه، قال الشاعر:
صَادِيًا يَسْتغيث غَيْرَ مُغَاثٍ ** وَلَقَدْ كان عُصْرةَ المَنْجُودِ

أي: غياثًا للمغلوب المقهور، وقال عدي:
لَوْ بِغَيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ ** كُنْتُ كالغصَّانِ بالماءِ اعْتِصَارِي

هذا قول أبي عبيده.
والرابع: يصيبون ما يحبون، روي عن أبي عبيدة أيضًا أنه قال: المعتصر: الذي يصيب الشيء ويأخذه، ومنه هذه الآية.
ومنه قول ابن أحمر:
فإنَّما العَيْشُ بريّانِه ** وأَنْتَ من أفْنَانِه مُعْتَصَر

والخامس: يعطون ويفضِلون لِسَعَةِ عيشهم، رواه ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة.
وقرأ سعيد بن جبير: {يُعصَرون} بضم الياء وفتح الصاد.
وقال الزجاج: أراد: يُمطرون من قوله: {وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجًا} [النبأ: 14].
قوله تعالى: {وقال الملك ائتوني به} قال المفسرون: لما رجع الساقي إِلى الملك وأخبره بتأويل رؤياه، وقع في نفسه صحة ما قال، فقال: ائتوني بالذي عبّر رؤياي، فجاءه الرسول، فقال: أجب الملك، فأبى أن يخرج حتى تبين براءته مما قُرف به، فقال: {ارجع إِلى ربك} يعني الملك: {فاسأله ما بال النسوة} وقرأ ابن أبي عبلة: {النُّسوة} بضم النون، والمعنى: فاسأل الملك أن يتعرف ما شأن تلك النسوة وحالهن ليعلم صحة براءتي، وإِنما أشفق أن يراه الملك بعين مشكوك في أمره أو متّهم بفاحشة، وأحب أن يراه بعد استقرار براءته عنده.
وظاهر قوله: {إِن ربي بكيدكن عليم} أنه يعني الله تعالى، وحكى ابن جرير الطبري أنه أراد به سيده العزيز، والمعنى: أنه يعلم براءتي.
وقد روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه استحسن حزم يوسف وصبره عن التسرع إِلى الخروج، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الكريم بن الكريم بن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إِسحاق بن إِبراهيم، لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم جاءني الداعي لأجبت».